من هنا بدأت رحلة الجاسوسية.. الملف الشخصى
لحياة المتهم الرئيسى فى قضية التخابر لصالح الموساد.. حلم بأن يكون نجما
فى لعبة الكونغوفو.. فأصبح أهم عميل متنقل لإسرائيل فى المنطقة العربية السبت، 25 ديسمبر 2010 - 17:47
النائب العام عبد المجيد محمود
كتب محمود سعد الدين
فى عام 1984 كان فيلم "النمر الأسود" يسيطر على شاشات العرض فى
السينما المصرية، حيث حقق نجاحا كبيرا، وكان وقتها طارق عبد الرازق لم يكمل
بعد الثانية عشرة من عمره، لكنه حلم مثل باقى الأطفال بأن يكون نجما ونمرا
أسود فى أى لعبة معينة، ولم يهو طارق لعبة الملاكمة مثلما كان الراحل أحمد
ذكى فى الفيلم، بل تعلق بلعبة الكونغوفو وأتقنها، وهى اللعبة التى عارضتها
أسرته بشدة، ليس لصعوبتها، وإنما لأن ممارسة الرياضة فى مفهوم الأسر
الفقيرة هو "كلام فاضى" والأصلح أن يبحث عن عمل ليساعد به أسرته فى
المعيشة.
منذ ذلك الحين، بدأ الحلم يكبر مع طارق يوما بعد يوم، وبدأ فى توفير جزء من
مصروفه اليومى لشراء مجلات تتضمن صورا لأبطال الكونغوفو، وبدأ يهرب من
مدرسة الصناعة لدخول نوادى أفلام الفيديو من أجل مشاهدة أفلام الكونغوفو
والحركات البهلوانية ولم يكن على طرف لسانه سوى "نفسى أخلص علشان أسافر
وأبقى نجم".
سريعا، أنهى طارق عبد الرازق تعلميه فى المدرسة الصناعية عام 1990، ومازال
حلم السفر يراوده، حيث أرشده أحد مدربيه عن أحد المعاهد الصينية لتدريب
الكونغوفو وأعطاه جميع مراسلاته، وبالفعل شرع طارق فى إرسال أكثر من خطاب
إلى المعهد مفاده "أنه شاب مصرى يمارس الكونغوفو بإتقان ويريد اكتساب
المزيد من فن اللعبة بالصين".
مر شهر وشهران وثلاثة شهور، دون أى رد من المعهد، وظل طارق معلقا، ليس وحده
بل الأسرة كاملة، لأن حلم طارق فى الثراء بعد السفر انتقل لباقى الأسرة
لدرجة أن والدته شاركت فى جمعية بقيمة 3 آلاف جنيه لكى ينفقها فى عملية
إعداد وإرسال الأوراق، شخصية طارق لا تعرف اليأس لذلك قرر إعادة إرسال
الأوراق مرة ثانية وثالثة حتى قبل المعهد طلبه، وقرر قبوله طالبا به
وبالمجان، وأرسلوا له تأشيرة السفر.
فى ذلك اليوم، عاش طارق وأسرته سعادة لم يشهدوها من قبل، فوالده عبد الرازق
حسين عيسى، الذى ولد بإحدى العزب التابعة لقرية يوسف الصديق محافظة
الفيوم، وجاء إلى القاهرة للعمل كحارس عقار بإحدى شركات الصرف الصحى فى
منطقة الحدائق، وسكن فى الدور الأرضى بمنطقة مكاوى العشوائية، كان يعتبر
سفر طارق بمثابة "طاقة القدر اللى اتفتحت للأسرة كلها وأن الخير قادم".
ودع طارق والده ووالدته وداعا حارا، واحتضنته أمه قائلة له "يا واد يا طارق
إوعى النسوان، أوعى البيرا، إوعى المشى البطال، وخلى المصحف دا فى جيبك
واذكر ربنا كتير" ثم نزلت دمعة من عينها، قائلة "والله هتوحشنى قوى يا طارق
وهتسيب فراغ كبير فى البيت وبقولك يا طارق ابعت لى جوابات على طول وطمنا
عليك أول ما توصل".
للمرة الأولى، ركب طارق عبد الرازق طائرة لمدة 10 ساعات متجها إلى العاصمة
الصينية بكين، وما إن وطئت قدمه الأراضى الصينيه حتى أصيب بحالة من الذهول
نتيجة الفارق الشاسع بين شوارع منطقة مكاوى وشوارع بكين والسيارات
والبنايات والتكنولوجيا والتطور الرهيب الذى تشهده الصين.
المعهد الصينى وفر له سكنا فى بيت الطلبة على بعد 800 كيلو متر من بكين،
وبدأ طارق عبد الرازق يتدرب فى المعهد، ويتخطى مراحل أصعب فى فن اللعبة،
وعانى فى البداية من مشكلة كبيرة فى اللغة والتخاطب مع الآخرين، حيث اللغة
الصينية هى السائدة، إضافة إلى جهلة باللغة الإنجليزية، إلا أنه تعلم فى
أحد مراكز تعليم اللغة الصينية وسريعا ما أتقنها كما تعلق بفتاة صينية تدعى
"بشيتا" كانت تدرس آنذاك بالمدرسة الثانوية، حيث ارتبطا عاطفيا.
سريعا ما انتهت المنحة الدراسية لطارق فى الصين، ورجع إلى القاهرة عام 1994
بشهادة علمية من أهم معهد كونغوفو فى الصين، ظن أنها ستفتح له الأبواب
المغلقة، وتقدم بتلك الشهادة للعمل فى أحد الأندية واتفق مع إدارة النادى
على أن يحصل على أجر 20 جنيها على كل متدرب، غير أن راغبى اللعبة ليسوا
كثيرين فلم يكن يجنى من ورائها كثيرا، وفى ذلك الوقت أيقن أنه أهدر عامين
من عمره فى الفراغ، فقرر أن يغير مجاله ويعمل فى مجال آخر، حيث عمل فى أكثر
من مهنة منذ 1996 وحتى 2002 بداية من كاشير فى مطعم بيتزا ومندوب لشركة
حاسب آلى وفرد أمن دون أى عائد مادى مجزٍ.
ضاق الحال بطارق الذى كان الأمل الوحيد لأسرته فى انتشالهم من الفقر، فقرر
وثلاثة من أصدقائه فى نهاية 2002 الحصول على قرض بقيمة 200 ألف جنيه من
الصندوق الاجتماعى لإقامة مشروع إنتاج عبوات بلاستيكية.
نجح المشروع فى البداية، غير أن مشاكل وقعت بينه وأصدقائه فقرروا استبعاده
من المشروع، وأصبح مطالبا بتسديد 50 ألف جنيه للبنك، لم يكن بيده أى سبيل
للتسديد فحرك البنك دعاوى قضائية ضده.. فكر مرة ثانية فى السفر إلى الصين
لعل وعسى تكون "فاتحة خير" له خاصة أنه كان على اتصال بالفتاة الصينية
"بشيتا" التى تعرف عليها أثناء المنحة فى بكين.
تقدم طارق فى 2007 بطلب إلى السفارة الصينية، يطلب فيه الحصول على تأشيرة
دخول للصين، وافقت السفارة دون عناء، استنادا إلى إقامته فيها عامين كاملين
قبل ذلك، ووطئت قدمه الأراضى الصينية بعد 12 عاما من الزيارة الأولى،
ومازالت حبيبته تنتظره، تزوجها عرفيا لأنها تشغل منصبا بالحكومة الصينية،
والقانون لا يجيز الزواج بأجانب.
قضى طارق عبد الرازق 4 شهور فى الصين دون عمل مجزٍ فى الوقت الذى أوشكت فيه
تأشيرته على الانتهاء، فلم يكن أمامه أى طريق سوى أن يشغل أى عمل للإنفاق
على نفسه ولضمان استمرار الإقامة فى الصين بعد الحياة المرة التى عاشها
بالقاهرة.
بدأ يبحث على شبكة الإنترنت على وظائف شاغرة ودخل بالفعل على موقع يدعى
"سنارة" وأدخل بياناته من الاسم والعنوان ورقم الهاتف، وعرف بعد ذلك أنه
موقع للسفارة الإسرائيلية.
فى أغسطس2007 اتصل به جوزيف ديمور المتهم الثالث، وقال له إنك أرسلت لنا
رسالة بأنك تبحث عن عمل، وإننا نرحب بك، وللتعامل معنا يجب عليك مقابلتى فى
دولة تايلاند، فحاول طارق الحصول على تأشيرة من الصين لتايلاند، غير أنه
لم يتمكن فاتصل بجوزيف ديمور وأخبره بعدم حصوله على التأشيرة، فقال له عليك
بالسفر إلى دولة نيبال لمقابلتى لأن الدخول فيها بدون تأشيرة لقربها من
الصين.
بعد 3 أيام سافر طارق إلى نيبال وقضى هناك 15 يوما فى بنسيون فى انتظار
مكالمة جوزيف ديمور، الذى أخلف ميعاده واتصل بطارق طالبا منه السفر للهند
لمقابلته، فقال له طارق "أنا انتظرتك 15 يوما فى نيبال والآن تقول إنك مش
قادر تيجى انتو عايزين تشتغلوا ولا مش عايزين تشتغلوا.. فرد عليه ضابط
الموساد جوزيف قائلا معلهش لابد أن تحضر إلى الهند، وبالفعل سافر إلى الهند
وتقابل مع ضابط الموساد بمقر السفارة الإسرائيلية، ووجه الضابط عدة أسئلة
إلى طارق عن نشأته وظروفه وعلاقاته والأماكن التى عمل بها وعلاقاته
بالقاهرة، وانتهى اللقاء وسلمه 1500 دولار وأخبره أنه لابد أن يخضع
لجهاز كشف الكذب.
فى يناير 2008 سافر طارق إلى تايلاند وخضع لاختبار جهاز كشف الكذب لمدة 10
ساعات على مرتين، واجتاز جميع الأسئلة التى وجهت له عدا سؤال واحد تردد
فيه، وهو "أنت بتحب مصر ولا بتكرهها".. حيث ظل دقائق ثم قال "أنا بحب مصر
بس بكرهها على اللى بتعملوا في، لينتهى اختبار كشف الكذب بنجاح لتبدأ رحلة
الجاسوسية.