وجوب اتباع السلف الصالح
إعداد فريق موقع عقيدة السلف الصالح
تعريف السلف
لغة:
قال ابن فارس: (السين واللام والفاء: أصلٌ يدل على تقدمٍ وسبقٍ، من ذلك: السلف الذين مضوا) (1)، و(السلف: ... الجماعة المتقدمون) (2).
والسلف -أيضًا- من تقدمك من آبائك وذوي قرابتك، الذين هم فوقك في السبق والفضل (3).
اصطلاحًا:
اختلف أهل العلم فيمن يطلق عليهم السلف الصالح، مع اتفاقهم على أن الصحابة رضوان الله عليهم هم أصل السلف الصالح وخيرهم وأتقاهم.
ونحن في هذا الموقع نذهب مذهب القائلين بأنهم القرون الثلاثة الأولى، لشهادة النبي صلى الله عليه وسلم لهم بالخيرية، فقال صلى الله عليه وسلم: ”خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ“ [صحيح البخاري ومسلم].
والقرن يطلق على مدة من الزمان، وقد اختلف العلماء في تحديده على أقوال:
فقيل: أربعون، وقيل: ثمانون، وقيل مائة، وقيل غير ذلك. (4)
وأرجح الأقوال هو أنها مائة عام، فقد وقع في حديث عبد الله بن بسر المازني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ”لتبلغن قرنًا“ (5)، وقد مات وعمره مائة سنة، كما قال البخاري في التاريخ الصغير، وهو آخر من مات بالشام من الصحابة.
وجوب اتباع السلف وسلوك طريقهم:
الأدلة من القرآن والسنة:
1. قد أوجب القرآن اتباع الصحابة رضوان الله عليهم ولزوم طريقتهم، وتوعد من يخالف سبيلهم بالعذاب الأليم، قال الله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 117]، وهل كان المؤمنون عند نزول هذه الآية الكريمة إلا هم؟
2. وقال تعالى: {فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 137].
هذا دليل صريح في أن الذي كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم هو الهدى والحق، ومن اهتدى به فإنه على هدى وعلى صراط مستقيم. فالصحابة هم المعنيون بما في الآية أولًا، ثم من سار على دربهم واقتدى بهم من بعدهم ثانيًا.
3. وقوله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108].
والصحابة رضي الله عنهم هم أول أتباع النبي صلى الله عليه وسلم، فهم على سبيل النبي صلى الله عليه وسلم يدعون إلى الله على بصيرة.
4. ثناء الله عز وجل عليهم ورضاه عنهم، قال الله عز وجل: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح: 29]
وقوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100]
وقوله تعالى: {فأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [الفتح: 26].
5. وتزكية الرسول صلى الله عليه وسلم لهم، فقال صلى الله عليه وسلم: ”خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ“ [متفق عليه].
فهذه الآيات والأحاديث دليل على أنهم على هدى وخير وأنهم أهل للاقتداء والاتباع.
6. ومن الأدلة: أن الصحابة هم الجيل الوحيد الكامل الذي لم يكن منهم مبتدع، وإنما ظهرت البدع فيمن بعدهم في آخر عصرهم.
وفي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، في وصف الخوارج: ”يَخْرُجُ فِي هَذِهِ الأمَّةِ“ (6)، ولم يقل: (منها)، لأنه لا يخرج من الصحابة هؤلاء القوم، ولكن يخرج في عصرهم رضوان الله عليهم.
ولذلك لما أراد العلماء أن يُعرِّفوا البدعة نصوا على أن البدعة هي: ما أحدث مما يخالف كتابا أو سنة أو أثرا أو إجماعا، فهذه هي البدعة الموصوفة بأنها الضلالة.
7. وقد كثر الاختلاف والتفرق بين المسلمين بعد عهد السلف الصالح رضوان الله عليهم، وكل فرقة تفسر النصوص على فهمها، فتجدهم مختلفين في ذلك، وكل فرقة تدعي أن فهمها للنصوص هو الحق، فمن نتبع؟
الجواب في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ”فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلَالَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ“ حديث حسن (7).
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ”وَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً“، قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: ”مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي“ حديث حسن (8).
فهذه أدلة صريحة على أن الحق هو اتباع منهج وفهم الصحابة رضوان الله عليهم للنصوص الشرعية.
الأدلة العقلية:
1. اتفاق أقوال الصحابة رضي الله عنهم في الأصول، فلم يحصل بينهم اختلاف في أصول الاعتقاد وأصول العبادات وأصول النظر والاستدلال.
ومن ذلك: إجماع الصحابة على إثبات الصفات، وإجماعهم على وجوب قبول السنة واتباع ما صح منها وعدم رد شيء منها، وإجماعهم على عدم تكفير مرتكب الكبيرة، وغير ذلك.
2. أنهم عرفوا حقيقة الجاهلية التي جاء الإسلام للقضاء عليها، لأن بعضهم عاشها بنفسه، والآخرون كانوا حديثي عهد بها، نقلها إليهم أهلوهم وأقاربهم، فلما جاء الإسلام ميزوا بينه وبين الجاهلية.
3. أن السلف الصالح تلقوا الإسلام وتعاليمه صافية نقية، لم يخلطوها بثقافات وافدة من أديان وثنية أو كتابية محرفة، أو فلسفات وضعية، أو علوم كلامية أو غير ذلك.
4. أنهم تلقوا القرآن غضًا طريًا، وهو ينزل على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، وعاينوا الأحداث التي مرت بهم وكانت سببًا لنزول كثير من آياته وسوره، فأدركوا مناسبات الآيات، وسياقها ووجهتها، وتفاعلوا معها، وفهموها حق فهمها، وهذا أيضًا جانب آخر مما امتازوا به على من جاء بعدهم.
5. أنهم سمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة دون واسطة، فغالب ما نقلوه عنه أخذوه من فيه، وسمعوه، وأدركوا مقصده ووجهته، وعرفوا مناسبة وروده.
6. التابعون وتابعوهم هم أقرب القرون إلى النبي صلى الله عليه وسلم والتابعون عاصروا الصحابة رضوان الله عليهم وأخذوا العلم عنهم. كما أن البدعة في عصرهم كانت أقل من البدعة في العصور التي بعدهم.
بعض الآثار عن الصحابة والسلف الصالح والأئمة بلزوم ما كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه عامة السلف الصالح:
1. عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «اتبعوا ولا تبتدعوا، فقد كفيتم، كل بدعة ضلالة» (9).
2. قال الأوزاعي: «اصبر نفسك على السنة، وقف حيث وقف القوم، وقل بما قالوا، وكف عما كفوا عنه، واسلك سبيل سلفك الصالح، فإنه يسعك ما وسعهم» (10).
وقال: «عليك بآثار السلف وإن رفضك الناس، وإياك ورأي الرجال وإن زخرفوه لك بالقول، فإن الأمر ينجلي وأنت منه على طريقٍ مستقيم» (11).
3. كان الحسن البصري في مجلس فذكر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فقال: «إنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفا، قومًا اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم، فإنهم ورب الكعبة على الهدى المستقيم» (12).
4. قال الإمام أحمد بن حنبل: (إن الله جَلَّ ثناؤه، وتقدَّست أسماؤه بعث محمدًا نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - {بالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة : 33] وأنزل عليه كتابه الهدى والنور لمن اتبعه، وجعل رسوله - صلى الله عليه وسلم - الدال على معنى ما أراد من ظاهره وباطنه، وخاصِّه وعامِّه، وناسخه ومنسوخه، وما قصد له الكتاب.
فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو المعبر عن كتاب الله، الدال على معانيه، شَاهَدَهُ في ذلك أصحابه، من ارتَضَاهُ الله لنبيه واصطفاهُ لَهُ، ونَقَلوا ذلك عنه، فكانوا هُم أعلَم الناسِ برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبما أخبر عن معنى ما أراد الله من ذلك بمُشاهَدَتِهِم ما قَصَد لَه الكتاب، فكانوا هم المُعَبِّرين عن ذلك بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم </SPAN>(13).
5. قال الإمام ابن أبي زيد القيرواني في رسالته:
(واللجأ إلى كتاب الله عزوجل وسنة نبيه، واتباع سبيل المؤمنين، وخير القرون من خير أمة أخرجت للناس نجاة، ففي المفزع إلى ذلك العصمة، وفي اتباع السلف الصالح النجاة).
6. قال الإمام أبو القاسم اللالكائي في مقدمة شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة:
(أما بعد: فإن أوجب ما على المرء معرفة اعتقاد الدين، وما كلف الله به عباده من فهم توحيده وصفاته وتصديق رسله بالدلائل واليقين، والتوصل إلى طرقها والاستدلال عليها بالحجج والبراهين، وكان من أعظم مقول، وأوضح حجة ومعقول، كتاب الله الحق المبين، ثم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الأخيار المتقين، ثم ما أجمع عليه السلف الصالحون، ثم التمسك بمجموعها والمقام عليها إلى يوم الدين، ثم الاجتناب عن البدع والاستماع إليها مما أحدثها المضلون).
7. قال ابن حجر العسقلاني :
(فالسعيد من تمسك بما كان عليه السلف واجتنب ما أحدثه الخلف). (14)
8. قال الشيخ أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي المعروف بشاه ولي الله:
(والملة إنما تثبت بالنقل والتوارث، ولا توارث إلا بأن يعظم الذين شاهدوا مواقع الوحي وعرفوا تأويله وشاهدوا سيرة النبي صلى اللّه عليه وسلم ولم يخلطوا معها تعمقًا ولا تهاونًا ولا ملة أخرى). (15)
للسؤال أو التعليق على المقـال
(1) مقاييس اللغة لإبن فارس، مادة: سلف.
(2) لسان العرب لإبن منظور، مادة: سلف.
(3) المصدر السابق.
(4) انظر شرح الحديث في فتح الباري لإبن حجر ، وشرح صحيح مسلم للنووي.
(5) مسند الإمام أحمد (ج29 ص235)، حسنه الشيخ شعيب الأرنؤوط.
(6) صحيح البخاري ومسلم.
(7) رواه عدد من الأئمة منهم الترمذي وأبو داود في سننهما؛ وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
(8) رواه الترمذي وغيره وحسنه؛ وقال العراقي في "تخريج الإحياء" : أسانيدها جياد.
(9) كتاب الزهد لوكيع بن الجراح، باب: من قال البلاء موكل بالقول.
(10) الشريعة للآجري ؛ وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي (ج1 ص154)
(11) رواه الخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث؛ والبيهقي في المدخل إلى السنن؛ وروى جزء منه الآجري في كتابه الشريعة.
(12) الشريعة للآجري، باب ذكر فضل جميع الصحابة رضي الله عنهم
(13) طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى، تحقيق محمد الفقي (ج3 ص122)
(14) فتح الباري لابن حجر (ج13 ص267)
(15) حجة الله البالغة لأحمد بن عبد الرحيم الدهلوي (ج2 ص333)