لحمدُ للهِ ثم الحمدُ لله، الحمدُ لله الواحدِ الأحدِ الفردِ الصمدِ
الذي لم يلِدْ ولم يُولَدْ ولم يكن له كفواً أحد.
الحمدُ لك رَبَّنَا على ما أنعمتَ عَلينا،
الحمدُ للهِ الذي هدانا لِهذا وما كنَّا لنهتديَ لَوْلا أنْ هدانا اللهُ
والصلاةُ والسلامُ على سَيدِنَا وحبِيبِنَا وعَظيمِنَا وقائدِنا وقرةِ أعينِنَا محمد،
أرسلَهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ هادياً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى اللهِ
بإذنِهِ سراجاً وهاجاً وقمراً منيراً فَهَدَى اللهُ به الأمَّةَ وكشفَ بِهِ
عنها الغُمَّة وبلَّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونصحَ الأمةَ فجزاهُ اللهُ
عنا خيرَ ما جزى نبياً من أنبيائِهِ، وأشهدُ أن لا إلهَ الا اللهُ وحدَهُ
لا شريكَ لَهُ تنزَّهَ عن الأينِ والزمانِ والمكانِ،
تنزّهَ عن مُشابَهَةِ المخلوقينَ ومماثَلَةِ المصنوعينَ
حيٌّ قيّومٌ لا ينامُ لا يفنى ولا يبيدُ ولا يكونُ إلا ما يريدُ فعّالٌ لما يريدُ.
والصَّلاةُ والسلامُ على سيدِنا وحبيبِنا وعظيمِنا وقرةِ أعينِنَا أحمدْ،
من جَعَلَهُ رَبُّهُ خاتماً للأنبياءِ والمرسلينَ سَبَقَتْ ولادَتَه البشائِرُ،
عُرِفَ بالنبوةِ بينَ الملأِ الأعلى سُكانِ السماءِ الملائكةِ
قبل أن تكتمِلَ خلقةُ ءادمَ عليه السلامُ.
الصلاةُ والسلامُ عليكَ يا سيدي يا رسولَ اللهِ،
الصلاةُ والسلامُ عليكَ.
يَا خيرَ مَنْ دُفِنَتْ في القاعِ أَعْظُمُهُ وطابَ مِنْ طيبِهِنَّ القاعُ والأكَمُ
نفسي الفداءُ لِقَبرٍ أنتَ سَاكِنُهُ فيهِ العفافُ وفيهِ الجودُ والكَرَمُ
أنتَ الشفيعُ الذي تُرجى شَفَاعَتُهُ عندَ الصِراطِ إذا ما زَلَّتِ القَدَمُ
وَصَاحِبَاكَ فَلا أنسَاهُما أبداً مِني السَّلامُ عَلَيكُمْ ما جَرى القَلَمُ
أما بعدُ أيُها الأحبةُ المسلمونَ،
نحنُ اليومَ في اوائلِ شهرِ ربيعٍ الأولِ الذي ولِدَ فيهِ سيدُ العالمينَ محمدٌ،
نحنُ اليومَ نستقبلُ مناسبةً عظيمةً وذكرىً طيبةً عطرةً،
ذكرى ولادَةِ فخرِ الكائناتِ سيدِنا محمدٍ عليه الصلاةُ والسلامُ.
اللهُ عظّمَ قدرَ جَاهِ محمــدٍ وَأَنَالَهُ فَضلاً لديهِ عَظِيما
في مُحكَمِ التنزيلِ قَالَ لِخَلقِهِ صَلُّوا عليهِ وَسَلِمُوا تَسْلِيم
بَعدَ أن رُفِعَ عيسى بنُ مريمَ عليهِ السلامُ إلى السَّماءِ إلى
محلِ كرامَةِ اللهِ بأقلَ من ستِمائةِ سنةٍ ولدَ مُحمدُ ابنُ
عبدِ اللهِ الهاشميِ القرشيِ في مكَّةَ المكرمةِ وَسَبقَتْ
ولادَتَهُ البشائرُ في الكتبِ السَّماويةِ وعلى لِسانِ
الأنبياءِ كما روى غيرُ واحدٍ من المحدثينَ رواياتٍ تدعَمُ ثبوتَ هذه البَشائرِ.
ومِنها ما رواهُ الحاكِمُ النيسابوريُّ في المستدرَكِ
من أنَّه لمّا اقترفَ آدمُ الخطيئةَ أي أكلَ من الشجرةِ وقد
نهاهُ اللهُ عن أن يأكلَ منها قال: يا ربِ اسألُكَ بحقِ محمدٍ إلا غَفَرتَ لي،
وهذا قبلَ أن يولدَ محمدٌ صلى الله عليه وسلم فقالَ الله
الذي لا تخفى عليه خافية ولا يغيب عن علمه شئ:
وكيفَ عرفتَ محمداً ولم أخلقْهُ بعدُ، قالَ:
رفعتُ رأسي إلى قوائِمِ العرشِ فوجدتُ مكتوباً
لا إلهَ إلا اللهُ محمدٌ رسولُ اللهِ فعرفتُ أنكَ لم
تُضِفْ إلى اسمِكَ إلا أحبَّ الخلقِ إليكَ.
الصلاةُ والسلامُ عليكَ يا سيدي يا رسولَ اللهِ بشّرَ بك
ءادمُ عليهِ السلامُ وَعَرِفَتِ الملائكةُ بِنُبُوتِكَ وبِعْثَتِكَ قَبلَ
أن تَكْتَمِلَ خِلْقَةُ ءادمَ عليهِ السلامُ وهذا معنى
كلامِ النبيِ صلى الله عليه وسلم كنتُ نبياً وءادمُ بينَ الروحِ والجسدِ،
أي عُرِفتُ بِوصفِ النبوةِ بينَ الملأِ الأعلى سكانِ السماءِ الملائكةِ
ولم تَكتَمِلْ خِلْقَةُ ءادمَ عليه السلامُ وكذلك بَشَّرَ به نبيُ اللهِ إبراهيمُ
كما أخبرَنَا اللهُ تَعَالى في القرءانِ الكريمِ عن ابراهيمَ أنَّهُ قالَ:
{ربَّنَا وابعَثْ فيهم رَسُولاً منهم يَتلُو عليهم ءاياتِكَ وَيُعلِمُهُمُ الكتابَ
والحكمةَ ويزكِيهم إنك أنتَ العزيزُ الحكيمُ}
وفي هذا روى الإمامُ أحمدُ عن أبي أمامةَ قُلتُ
يا رسولَ اللهِ ما كانَ بدءُ أمرِكَ قَالَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
"دعوةُ أبي إبراهيم" أَلَيسَ قالَ اللهُ تعالى إخباراً عن
عيسى بنِ مريمَ عليه السلامُ {ومبشراً برسولٍ يأتي من بعدي اسمُهُ أحمد}
أَلَيسَ قالَ رسول الله: "ورأت أمّي انه يخرُجُ منها نُورٌ أضاءت لَهُ قُصورُ الشامِ".
هَذا النبيُ العظيمُ الذي سَبَقَتْ ولادتَهُ البشائرُ وُلِدَ يتيماً قد كانَ
ماتَ أبوهُ قبلَ ذلك ولما كانَ ابنَ سِتِ سنين مَاتَتْ أُمُه بالأبواءِ
بين مكةَ والمدينةِ المنّورةِ ولما صارَ عُمرُهُ ثَماني سنين
مَاتَ جدُهُ عبدُ المطلبِ وشبَّ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم
ونشأَ صلى الله عليه وسلم حتى بلغَ أن كانَ رجلاً أفضلَ قَومِهِ
مُروءةً وأحْسَنَهُم خُلُقاً وأكرمَهُم مخالطَةً وأحسَنَهُمْ مُجاورةً
وأعظَمَهُمْ حِلماً وأمانةً وأبعَدَهُمْ عن الفحشاءِ والأذى والرذائِلِ.
لَمْ يُعرَفْ عليه رذيلةٌ واحدةٌ لا قبلَ النبوةِ ولا بعدَهَا،
تَزوجَ وكانَ أولَ ما تزوجَ وكانَ ابنَ خمسٍ وعشرينَ تزوجَ
امرأةً شريفةً في قومِهَا عَفيفةً، خديجةَ بِنتَ خويلِدْ،
كانتْ تاجرةً وهُنَا يُردُّ على الذينَ يكيلُونَ التُّهَمَ إلى
رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بأنَّهُ كانَ ولُوعَ القلبِ بالنساءِ،
فإنَّ أصغرَ نسائِهِ سناً عائشةَ رضي الله عنها لما كانَ
دورُ المبيتِ عِندَهَا في بيتها كَانَ النبيُ صلى الله عليه وسلم
يستأذِنُهَا ويذهبُ ليلاً إلى البقيعِ مدفَنِ المسلمين
يَدعُو اللهَ تعالى للمسلمينَ ويتركُ أصغرَ زوجاتِهِ وأجملهنَّ
وما عدَّدَ النساءَ إلا لِحِكَمٍ منها أنَّه صلى الله عليه وسلم
تزوجَ من قبائِلَ مُتعددةٍ وفي هذا تأليفٌ لما بينَ قبائلِ العربِ،
ثمَّ إنَّ تعليمَ أحكامِ الإسلامِ المتعلقةِ بالنساءِ أسرعُ انتشاراً
من النساءِ إلى النساءِ ولم يكن صلى الله عليه وسلم ولوعَ
القلبِ بالنساءِ بل كان عليه الصلاة والسلام شديدَ الخشيةِ
من اللهِ تعالى يبكي جوفَ الليلِ.
يقولُ اللهُ تباركَ وتعالى:
{الذِينَ يَتَّبِعُونَ الرسولَ النبيَ الامّيَ الذي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً
عِنْدَهُمْ في التَّوراةِ والإنجِيلِ يَأمُرُهُمْ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ
عَنِ المُنْكَرِ وَيُحِلُ لَهُمُ الطيِبَاتِ وَيُحَرّمُ عَلَيهِمُ الخَبَائِثَ وَيَضَعُ
عَنْهُمْ إصْرَهُمْ والأغْلالَ التي كانَتْ عَلَيْهِم، فَالذينَ ءامَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ}
ألا فاسْمَعُوا أيُّها المُؤمِنُونَ قَولَ اللهِ تَعَالى: {فَالذينَ ءامَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ}.
عَزَّرُوهُ أيْ عَظَّمُوهُ، اللهُ عَظَّمَ جَاهَ مُحمدٍ صَلى الله عليه وسلم،
{واتَّبَعُوا النُورَ الذي أُنْزِلَ مَعَهُ أولئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ}.
واللهُ تَعَالى أخذَ العهدَ والميثاقَ على جميعِ النبيينَ أن يؤمنوا
بنبيِ ءاخرِ الزمانِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم.
قال اللهُ تعالى:
{وإذْ أخذَ اللهُ ميثاقَ النبيين لمَا آتيتُكُم من كتابٍ وحكمةٍ
ثم جاءَكُم رسولٌ مصدقٌ لما معكم لتُؤمِنُنَّ به ولَتَنصُرنَّه
قال أأقررتم وأخذتم على ذالكمْ إصري قالوا أقررنا قالَ فاشهدوا
وأَنَا معكم من الشاهدين} مَا من نبيٍ إلا واخذَ اللهُ عليهِ العهدَ
والميثاقَ أنْ يؤمنَ بنبيِ آخرِ الزمانِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم
وما من نبيٍ إلا وبلّغَ قَومَهُ "من أدرَكَ منكم محمداً صلى الله عليه وسلم
فَليُؤمِنْ بِهِ وليناصِرْهُ وليؤازِرْه".
هكذا البشائرُ على لسانِ الأنبياءِ وفي الكتبِ السماويةِ
المطهَّرةِ ببعثةِ خيرِ الأنبياءِ وأفضلِ العالمينَ محمدٍ وأحمدٍ والماحي
والعاقبِ والحاشِرِ، لَهُ صلى الله عليه وسلم خمسةُ أسماءٍ:
محمدٌ واحمدٌ والماحي أي الذي يمحو اللهُ به الذنوبَ والخطايا
والعاقِبُ أي الذي لا نبيَ بَعدَهُ والحاشِرُ أي الذي يُحشرُ
الناسُ عندَ قدمِهِ يومَ القيامةِ.
هذه بعضٌ من أخبارِ البشائرِ ببعثةِ ومولدِ خيرِ الانبياءِ
محمدٍ عليه الصلاة والسلام وفي الصحيحِ أنَّ
رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مرَّ بنبراسِ اليهودِ فقالَ لهم:
"يا مَعْشَرَ اليهودِ، أسلِمُوا فوالذي نفسي بيدِهِ إنكم لَتَجدونَ
صِفتي في كُتُبِكُم" ولكنهم حرّفوا التوراة
الّهُمَّ ثَبِّتْنِي عَلى دِينِكَ ما أَحْيَيْتَنِي، وَلا تُزِغْ قَلْبِي بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنِي،
وَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهّابُ.
صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلى اَّل مُحَمَّدٍ،
وَاجْعَلْنِي مِنْ أَتْباعِهِ وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَتِهِ،
وَوَفِّقْنِي لأَداءِ فَرْضِ الجُمُعاتِ وَما أَوْجَبْتَ عَلَيَّ فِيها مِنْ
الطّاعاتِ وَقَسَمْتَ لأهْلِها مِنَ العَطاءِ فِي يَوْمِ الجَزاءِ. إِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ