أولا" التراث اللغوي :
تدل الدراسات والبحوث على سيادة الشعب الكنعاني العربي في فلسطين منذ بداية التاريخ
بشواهد من الأحداث التاريخية المعززة بالوثائق الأثرية العديدة . ولا تقل الدلالة اللغوية أهمية
في إثبات الإنتماء إلى حضارة أو ثقافة قومية معينة ، ويشمل التراث الثقافي اللغة والشعر
والحكايا والقصص عند الشعوب .
يقول ( أولبرايت ) وهو اللغوي الأثري المعروف : (( إن الدلالة من أسماء الأماكن والأشخاص
ذات أهمية كبرى في تعيين اللغة التي كان يتكلم بها الناس في فترات مختلفة ... و إن أقدم الأسماء
لهي أسماء الأنهار والجبال ، ونجد في فلسطين أن أسماءها جميعا" - منذ أقدم عهود التاريخ-
على التحقيق أو الترجيح - هي أسماء سامية ، وكلها من النوع القديم الذي لايسهل دائما تفسيره
، فكلمات : (( لبنان _ الكرمل _ طابور _ جلبوع _ الأردن _ اليرموك _ وأرنون )) سامية .
وإذا عرجنا على أسماء المدن وجدنا أن جميع الأماكن المأهولة في الألفين الرابع والثالث قبل
الميلاد وجدنا معظمها أسمماء لقبائل قديمة تدل على أصل سامي . مثل كلمة : أمو بمعنى أمة .
وكذلك نجد أسماء خاصة بأماكن العبادة لها إشتقاق لغوي ، مثل ( بيت شمس _ بيت ييرح
( القمر ) _ وبيت داجون وبيت إيل وبيت لحم ....) ، )) .
وفيما يتعلق بأسماء المدن والقرى في المراجع العبية القديمة والحديثة نجد كثيرا من هذه الأسماء
في سائر أرجاء سوريا والعراق والأردن ولبنان و فلسطين تحمل اللمحة العربية القديمة من
اللهجات أو اللغات(( الكنعانية الفينيقية والعمورية والآرامية والسريانية والعبرانية )) ، مثل
(( أجنادين ، إزرع ، إربد ، بردى ، بصرى ، بعلبك ، بيروت ، بيت لحم ، جبرين ، جبيل ،
جرش ، حصن ، حمص )) .......... إلخ .
وعندما يصف أولبرايت لغة أهل فلسطين في الألفين الرابع والثالث قبل الميلاد بأنها
(( سامية )) . فإن المقصود ( عربية عربية أو عربية الأصول ) ، وفي هذه الحالة نجد أن اللغة
الكنعانية هي التي كانت سائدة معظم الوقت الذي يعنينا ، ومن تصانيف اللغات السامية نجد
العبرية فرعا" أو لهجة مقتبسة من الكنعانية ، ويعتبرون لغة أوغاريت الكنعانية فرعا" مستقلا"
من اللغة الشمالية الغربية .
وبعد الكنعانية تكلم الفلسطينيون الآرامية . وصارت هذه لغة الحديث والكتابة مدة ألف
سنة .والآرامية هي لهجة قبائلها المعروفة بهذا الإسم التي خرجت من الجزيرة العربية إلى
العراق وسورية ثم جنحت أعداد منها إلى فلسطين وسكنت بعض المرتفعات ( الآرام ) .وهي
التي كانت سائدة أيام السيد المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام . وكذلك عند الفتح الإسلامي .
الذي أحل العربية الحديثة ( قريش ) محل الآرامية ... واختفت العبرية تماما" بعد انتشار
الآرامية . ونجد في الألواح المسمارية أنه عندما غزا الهكسوس فلسطين ( 175 قبل الميلاد )
تخلفت عنهم أسماء شخصية عديدة . منها ما هو مصري ومنها ما هو فلسطيني محلي ، ومعظم
هذه الأسماء عربية ، أما الباقي فمنه ما هو هندي _ أوروبي .
وعندما امتد سلطان الحوريين إلى فلسطين تركوا بعض الأسماء الحورية مكتوبة بالخط
المسماري ، وقد كان زعماء الحوريين في الغالب هنديين أوروبيين . وقد اختفى الحوريون دون
أن يتركوا أي أثر للغتهم في فلسطين .
أما الفلسطينيون ( 1200 _ 1050 قبل الميلاد ) فلم يتركوا لنا إلا أسماء شخصية قليلة ولم يجد
الباحثون إلى اليوم أثارا" تشير إلى لغتهم أو كتابتهم . وأما اليهود فواضح من تواريخ حكمهم في
القدس والسامرة أنهم دخلوا البلاد حين كان الكنعانيون والعموريون أهلها ، الذين بقوا في البلاد
ولم يرحلوا عنها كما رحل اليهود عن فلسطين بالسبي البابلي وغيره ، ومن بقي منهم بقي على
شكل أقليات مبعثرة ومطوية على نفسها في فلسطين وفي كل أنحاء العالم وكان لديانتهم اإنعزالية
أثر كبير في ذلك .ولما توالى الفرس واليونان على حكم فلسطين ظل السكان كما كانوا _
كنعانيين _ يبوسيين _ فينيقيين _ ثم عمت اللغة الآرامية البلاد على أثر إنتشار التجارة .
وانتشار العائلات الآرامية . ولما جاء العرب المسلمون لم يبد اليهود أية مقاومة تدل على كثرتهم
أو قوتهم ، واستقبل المسيحيون وسائر السكان العرب القادمين في وحدة وانسجام أساسها وحدة
الأصول والألسن واللهجات والعادات ....
ويزعم اليهود أنهم أول من كتب لغة ما ( العبرية الكنعانية ) في محاولة لطمس الدور الكنعاني ،
ليس في تعليم اليهود وحدهم ، بل العالم كله أبجدية ( الألفا بيتا ) .
والمعروف أن اللغة في الوطن العربي بدأت في بلاد الرافدين عندما ابتدع السومريون اللغة
المسمارية ، ودونوها على ألواح من الطين وحافظوا عليها حتى بعد تبلور الأكادية .وشكلوا بذلك
الخزان الأول للغة التي امتدت في مشارق الأرض ومغاربها .
ومن الملاحظ أن اللغات السائدة في الصين وكوريا واليابان ذات ملامح مسمارية ، وظلت
المسمارية اللغة الأم حتى ظهرت الرسوم الهيروغليفية في مصر التي كتبت على أوراق
البردي . وبذلك انتقلت من الرمز غير اللغوي إلى الكلمات والجمل المصورة . ومع ذلك لم
تستطع الهيروغليفية أن تحقق إمتدادا" موازيا" للمسمارية ....... ثم جاء دور الكنعانيين
لاكتشافهم الأبجدية والإستعاضة عن الخطوط والرسوم بالحروف الهجائية . وظلت اللغة
الكنعانية قاعدة اللغات العالمية إذ نقل الكنعانيون لغتهم عبر سكان الساحل الفينيقي إلى تونس
( اللغة البونية ) ثم إلى مستعمراتهم في إسبانيا ( قاديش ) وإلى اليونان لتشكل قاعدة لكل اللغات
الأوروبية اللاحقة ، واتخذت اسم ( الأجريتية ) في مدينة أوغاريت في إنطلاقها نحو الخارج .
وسميت في مؤاب ( بالمؤابية ) وهي مشتقة مباشرة من الكنعانية وهي لهجة منها . ومن
( الآرامية ) بعدها .وفي بابل شكلوا ( العبرية الآشورية ). وبمرور الزمن أصبحت الآرامية
الوريث الشرعي لمعظم اللهجات الكنعانية . وغدت لغة التخاطب في معظم آسيا العربية ومصر .
ومنها خرجت اللغة ( السريانية ) وهي اللغة الأدبية للمسيحية .والخط النبطي الذي اشتق منه
الخط العربي الراهن .
وبعد الاحتلال الصهيوني لفلسطين .............
فإن أخطر المشاكل التي يواجهها العرب في الأرض المحتلة ( نحو 1.5 مليون نسمة ) هي
مشكلة التعليم ، فقد وضع المشروع الصهيوني خططا" تربوية وثقافية لمصادرة العقل العربي ،
وطمس الشخصية القومية بتزوير التاريخ العربي ، وتغذية عقول الناشئة من العرب بأساطير
التوراة المزيفة . والتاريخ العبري المشوه .
وذلك لتحقيق ( العدمية القومية ) أو الهامشية في النفس العربية .
ثانيا" الشعر الشعبي الفلسطيني : يتبع.