حرب عدوانية من طراز آخر

سموها الحرب السادسة، وقالوا حرباً ستحدد تحولات عميقة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني، والأهم أن هذه الحرب كانت من طراز آخر في كل مسائلها السياسة والعسكرية وقبل كل شيء فإن الأهمية المباشرة هي أن نحدد ونتوقف عند خصائص تلك الحرب.
إنها حرب العدوان فهي شنت على دولة ذات سيادة وعضو في الأمم المتحدة ،كما أن السبب الذي اتخذ ذريعة للحرب العدوانية لم تؤيده الحكومة اللبنانية أو الهيئات الشرعية الحكومية اللبنانية، وأعلنت الحكومة اللبنانية أن لا علم لها بتلك العملية التي قام بها حزب الله،وهكذا فإن دولة إسرائيل تعتمد على عوامل جديدة وغريبة لشن حروبها العدوانية، خاصة وأن عالمنا يزخر بالأحداث والعمليات التي تقوم بها تنظيمات أو جماعات سياسية وعسكرية على أراضي دولة أخرى، وفي هذه الحالة فإن هذه العدوانية الإسرائيلية تدخل في نطاق تسعير الفوضى المنظمة في منطقة الشرق الأوسط، وإن الطابع العدواني لهذه الحرب يتعدى إسرائيل ويطال الولايات المتحدة الأمريكية خاصة وإن وزيرة خارجية أمريكية أدخلت الحرب العدوانية في نطاق فلسفة "التجديد" ومشاريع تكوين الشرق الأوسط الجديد والحرب . إن الخطر الكامن من تلك الفلسفات هو أنه يضع رباطاً وثيقاً بين «التجديد» والحرب، ويمكن القول أن ابعاد ما رمت إليه رايس يتعدى الفهم العادي لمفهوم التجديد بحيث يصبح التجديد عنوانياً وواجهة لحروب عدوانية تخدم الاحتكارات ما فوق القومية والمشاريع الصهيونية والرأسمال المال الصهيوني .
لقد أضيفت علل جديدة تتطلب الحرب، ولم يعد الإرهاب عاملاً وحيداً لإذكاء الحروب العدوانية بل نجد أن إدارة بوش مهتمة في تكوين ترسانة من المصطلحات من شأنها تبرير تلك الحروب، ولكن الملاحظ أن الإدارات الأمريكية والفكر السياسي الأمريكي كان يكثر من ترداد مقولة المصالح الأمريكية وأمن الولايات المتحدة الأمريكية، وقد أبتعد نحو مصطلحات جديدة، وليس من الصعوبة في شيء أن يلحظ المرء أن الأمر لا يتعدى شكلاً أخر من خداع الشعوب والإيحاء أن حروب الولايات المتحدة هي في مصلحة تلك الشعوب. لقد كان هذا التوجه الفكري الدعائي السياسي ضرورياً لنفي الطابع العدواني الاستعماري الإمبريالي للسياسات الأمريكية في مختلف أقاليم العالم.
حرب ضرورية
تذرعت إسرائيل بالعملية التي قامت بها المقاومة اللبنانية، واتخذت منها ستاراً لإخفاء الكثير من الحقائق خاصة وأن إدارة بوش تابعت مقولتها الغبية التي لم تعد تقنع أحداً فأخذت تكثر من أنها حرب «الدفاع عن النفس » وهو حق لإسرائيل وتجدر الإشارة بصورة مباشرة أن تلك الحروب العدوانية كانت ضرورة بسب المأزق المتعمق الذي تعيشه إسرائيل عامة وحكومة أولمرت وأحزابها خاصة، ناهيك عن أنها حرب ترمي إلى صرف النظر عن المأزق العميق الذي تعيشه الولايات المتحدة الأمريكية في نتيجة الوضع في العراق والهزيمة العسكرية والسياسية التي تحيق بإدارة بوش وجيوشها ومصالح احتكارات الولايات المتحدة الأمريكية، وقد أرادت الولايات المتحدة تحت وهم تحقيق انتصارات على الساحة اللبنانية، أرادت صرف الأنظار عن الساحة العراقية عل ذالك يوفر لها فرصة لضربات عسكرية شديدة، كما أن إدارة بوش تحتاج إلى مادة في السياسة الخارجية لتساعدها في الانتخابات القادمة هذا العام ولعل أوهام إدارة بوش هي التي كانت وراء بعض التصريحات المتسرعة التي أطلقتها بشأن الساحة اللبنانية والمنطقة بما في ذلك تصفية المقاومة ومعقبة سورية .
ولكن الحرب العدوانية على لبنان كانت أكثر ضرورة لإسرائيل ويعود الأمر إلى شبكة من العوامل التي تؤثر وتتفاعل ويأتي في المقدمة مأزق إستراتيجية أولمرت بشأن القضية الفلسطينية ،فقد بات واضحاً أن الإنفراد وتقدير المسائل الإستراتيجية بشأن القضية الفلسطينية بعيداً عن ممثلي الشعب الفلسطيني وبدون موافقة واضحة من أوربا. إن ذلك أدخل التوجهات الإسرائيلية في وضع غير مقبول عالمياً و عربياً وفلسطينياً، كما أن الانسحاب من غزة لم يسجل في باب البراعة السياسية أو في مجال الانتصارات العسكرية، ناهيك عن أن غزة تحولت أكثر فأكثر لساحة رحبة لاستخدام الصواريخ الموجهة إلى المستوطنات الإسرائيلية ضمن الخط الأخضر.
أما المسألة الأخرى فإن سلاح حزب الله أصبح أكثر خطراً على الخطط العسكرية الإسرائيلية، فهو متنوع،كما أنه يطال الكثير من المناطق في العمق الإسرائيلي،ولكن الأهم أن خطط العدوان الإسرائيلي التي ..... أماكن أخرى تتطلب أن تكون الخاصرة الشمالية لإسرائيل في وضع يبعث على الطمآنية ويوفر المناخ كي يتم تركيز قوى إسرائيل مستقبلاً نحو دول أخرى فالحرب كانت ضرورة لصرف كل القوى العسكرية الإسرائيلية نحو تلك الدول وعدم انشغالها بالمقاومة اللبنانية.
وطبيعي القول أن حزب الله بمقاومته الباسلة ألحق ضرراً كبيراً بهيبة الجيش الإسرائيلي وسمعته، وكرس ضرورة عقائد عسكرية إستراتيجية جديدة وهي الاعتماد على ثنائية المقاومة والجيش الوطني.لكن الأهم أن معارك لبنان منذ عدة سنوات تدخل في نطاق العوامل التي دفعت نحو إستراتيجية جوهرها استحالة تحقيق المشروع الصهيوني كما وضعته المؤتمرات الصهيونية.
لقد كان تحرير الجنوب اللبناني عملية متميزة وضعت معالم جديدة لمسائل الحرب والسلم وأكدت توفر السبل لتحرير الأراضي العربية المحتلة بعيداً عن المشاريع والمخططات الصهيونية الأمريكية وفتح تحرير لبنان بالانتصار على الجيش الإسرائيلي أفاقاً واسعة لمعادلات جديدة تخص الجيش والاحتلال وأفاق دولة إسرائيل في المنطقة وعقم الإستراتيجيات العسكرية العدوانية.وإذا نظرنا إلى مختلف تداعيات انتصار المقاومة وتحريرها لأراضي الجنوب بالأعمال العسكرية ،فإن أفاق دولة إسرائيل يستحق إعادة النظر خاصة إذا كان هناك مناخ عربي عام يستخدم الاقتصاد والسياسة والعلاقات الدولية والثروات العربية. كل ذلك أصبح يدفع أكثر فأكثر نحو عدم غرابة الشعارات التي طويت خلال عشرات السنوات، وكانت الانتصارات الإسرائيلية عاملاً أساسياً في ذلك، وطبيعي أن تكون الانكسارات العسكرية الإسرائيلية عامل بفعل فعله باتجاه معاكس .
حرب تمهيدية
إن الحرب العدوانية الإسرائيلية تعتبر حرباً تمهيدية أو أنها حرب غير منتهية بقرار مجلس الأمن رقم (1701) .ويجري اعتماد مؤشرات عديدة فتلك الحرب لم تحل المسائل والتناقضات بين استراتيجيات العولمة الأمريكية بما فيها إستراتيجية الشرق الأوسط الكبير والإستراتيجية الإقليمية الإيرانية والتي عنوانها الأول البرنامج النووي الإيراني، كما أن هذه الحرب لم تؤدي إلى حل لمسائل الخلافات مع سوريا أو بعبارة أخرى فإن التناقض مستمر بين السياسة الأمريكية الإسرائيلية بشأن الأراضي العربية المحتلة وحقوق الشعب الفلسطيني من جهة وبين سياسات الثوابت الوطنية من جهة أخرى ناهيك عن أن الحرب لم تحل مسائل التناقضات على الساحة اللبنانية بل ربما جعلتها أكثر احتداماً من السابق . ويعود الأمر لعوامل عديدة من أبرزها أن إرادة بوش وحكومة إسرائيل تسعيان نحو هدف معروف وهو إنهاء المقاومة وتجريدها من السلاح، ويلاحظ أن التدابير الراهنة تدل أن المهمة الآن هي الحيلوله دون إعادة تسليح المقاومة. كما أن العوامل الجغرافية الجديدة لتواجد فعلي للمقاومة يختلف عن العوامل الجغرافية السابقة والأهم من كل ذلك أن أفق المقاومة في لبنان يواجه العديد من المشاكل أخطرها عدم الإجماع اللبناني على استمرارية وضع المقاومة والنص الواضح في القرار «1701» على تعزيز دور الدولة اللبنانية وتحقيق سيادتها على كامل الأراضي اللبنانية ومعروف أن كل ذلك ينتهي إلى شيء واحد هو عدم شرعية الوجود المسلح لأية جهة عدا جهة الجيش اللبناني وقوى الأمن اللبناني ولا ينبغي الاستهانة بذلك لأنه يحظى بالتأييد الدولي بما في ذلك روسيا والصين تأهيل عن أوربا الغربية والأكثر خطراً هو أن ذلك يحظى بتأييد الكثير من الدول العربية.
لكن المخاطر على وجود المقاومة في لبنان يأتي أيضاً من مسألة حساسة جداً وهي أن المهمة الوطنية التي تتبناها المقاومة والتي هي تحرير أراضي لبنان ورد الأعمال العدوانية الإسرائيلية، تلك المهمة الوطنية تتطلب حاملاً مادياً أوسع نطاقاً على الصعيد الاجتماعي من الحامل المادي البشري الراهن، أو أن مظهر أزمة يتكون بين طبيعة المهمة الوطنية التي فرضت المقاومة وشرعيتها من جهة مبين تكوين المقاومة الملموس من الناحية الاجتماعية، وكثيراً ما كانت مسائل الحرب العدوانية الأخيرة أوراق ضغط على حزب الله ومشروعه في بناء قوات مقاومة خاصة به، فهل يتمكن حزب الله من الانتقال إلى وضعية جديدة تنهي المفارقة بين مهمة المقاومة الوطنية من جهة والقوى المكونة لهذه المقاومة من جهة أخرى، أو بعبارة أخرى هل يمكن للمقاومة أن تتطور وتغتنى اجتماعياً وسياسياً ؟! ومعروف أن تاريخ لبنان يؤكد توفر عناصرها في هذا المجال تلك العناصر التي تساعد على حل تلك المهمة وفيها أن تاريخ المقاومة بدأ بمقاومة وطنية عبرت عن التماهي بين تكوين المقاومة الوطنية من الناحية الاجتماعية ومهامها الوطنية من جهة أجرى .
أضيف إلى ذلك مسألة كبرى وهي انعكاسات البرنامج النووي الإيراني على الساحة العربية . ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا أنه تتوفر الكثير من المعطيات التي تشير بوضوح إلى أن أوساطاً عربية رسمية أصبحت تنظر إلى إيران باعتبارها القوة الأكثر خطراً على البلدان العربية من إسرائيل ذاتها. وإلا ما معنى الكثير من المصطلحات السياسية الحديثة وما معنى تطور الحرب على ذلك النحو في العراق، وقبل ذلك فإن ما يلخص رؤية بعض الدول العربية هو أن إيرا تعارض ذلك لأن الحرب تضعف أقوى دولة عربية ثم يضيفون إلى ذلك أن تلك الحرب خدمت إيران ولكن المسألة التي ينبغي التوقف عندها هي الخوف من إستراتيجية إيران، أليس من البدهي أن يكون لإيران إستراتيجية وهي دولة هامة اقتصادياً وبشرياً وسياسياً في المنطقة، أليس الأجدر أن تبادر الدول العربية إلى صياغة استراتيجية عربية، ثم أليس العقلاني والبدهي تحديد المصالح العربية ورؤية نقاط تقاطع المصالح العربية والمصالح الإيرانية، أليس المثال الإيراني ضروري للنظم العربية كي تعي زيف ضرورة العلاقات «الحميمة» مع الولايات المتحدة كي يكون لها هيبة ووقار في المنطقة وعلى صعيد العالم، ألا يقدم المثال الإيراني أنه يمكن بناء دولة قادرة وذات شأن وعلى أساس عدم الخضوع للإدارات الأمريكية ومصالح احتكاراتها .
ورغم كل الملاحظات على التجربة السياسية الإيرانية، ورغم إيديولوجية الدولة باعتبارها إيديولوجية دينية، فإنها وفرت مساحات للتجاذبات السياسية بين تيارات إسلامية مختلفة بشأن الكثير من قضايا الحكم ومسائله والعلاقات الإقليمية والدولية .
إن المصالح العربية بما فيها مصالح الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية لا تتطلب عداء إيران أوالقطيعة معها بل تتطلب الإمساك بنقاط التقاطع مع إيران لتقوية تأثير المطالب العربية.
وإذا كان من ملاحظة أخيرة فإنه من الظلم تصوير حزب الله باعتباره جناحاً إيرانياً في لبنان، ذلك هو ادعاء بوش ناهيك عن أن كل المهام التي طرحها ونفذها حزب الله هي مهام وطنية لبنانية لكن الأكثر خطرا ًمن ذلك هو تلك الإرادة التي يراد لها أن تدخل الخيمة الوطنية والتي تحاول التلطي وراء أن مصلحة لبنان هي في رفض «المحاور» كافة. سواء «المحور» الإيراني السوري أو المحور الأمريكي الإسرائيلي . إن هذا أيضاً يراد تثميره في قضية إنهاء المقاومة في لبنان، ومن السذاجة أو «الخبث» السياسي وضع المسألة على ذلك النحو فهناك مسائل العلاقات السورية اللبنانية والتي لا علاقة لها بقضايا المحاور. كما أن سلوكا يتوخى الوقوف على مسافة واحدة بين سوريا وإسرائيل لا يمكن تغطيته بمسألة المحاور، وإذا كان من درس تاريخي فلا يمكن أن تجاهل أنه لا يمكن تغطية طبيعة المحور الأمريكي الإسرائيلي وأهدافه ومراميه تحت ذريعة المحور الإيراني السوري مهما كانت الملاحظات على ذلك المحور.
حرب تدميرية
إن المتتبع لتلك الحرب العدوانية يلحظ بسهولة ويسر إن هدف قادة ذلك العدوان هو تدمير أكثر ما يمكن وكأن ذلك غاية الحرب ومبتغاها وزاد من التوجه نحو التدمير كهدف أساسي من أهداف الحرب عوامل عديدة من أبرزها: فشل الخطة العسكرية الإسرائيلية من جهة وفشل القيادة العسكرية الإسرائيلية في كشف المكونات الأساسية للإستراتيجية العسكرية والتكتيك القتالي العسكري الذي اعتمدته المقاومة اللبنانية ناهيك عن أنهم ظنوا أتساع التدمير يؤدي إلى الاستياء الداخلي من المقاومة ويدفع نحو احتدام التناقضات الداخلية.
لقد ارتبكت القيادة الإسرائيلية، فهي لم تستطع تدمير القوى القتالية لحز الله وكان ذلك في أحد أسبابه عائد إلى أن المقاومة اعتمدت إستراتيجية الجمع بين أساليب حرب العصابات من جهة وأساليب التمركز في نقاط استناد والقتال من خلالها لفترات محدودة ثم الانسحاب السريع خلال الفترة التي يكون العدو فيها مشغول بتحديد أماكن النيران المعادية. في حين أن المقاومة تكون قد أنجزت الانسحاب السريع ثم العودة السريعة إلى نفس دائرة المقاومة وهو ما أربك القوات الإسرائيلية وكلما ظنت أنها« طهرت » هذا المكان أو ذالك وجدت نفسها من جديد أمام مقاومة قوية في نفس المكان الذي ظنت أنها طهرته، وقد أدى ذلك الارتباك إلى تزايد عدد القتلى من الجيش المعتدي الإسرائيلي. ناهيك عن تأثير ذلك المعنوي الذي انعكس على الصعيد العسكري والسياسي والاجتماعي ، وادخل بصورة مباشرة في الوعي الاجتماعي حقيقة هامة وهي أن الجيش الإسرائيلي يتخبط وإن مخابراته فاشلة وإن قياداته كانت بعيدة عن معرفة ما يقوم به حزب الله بالقرب من الحدود وعلى نطاق لبنان بأسره.
حرب طويلة
استمرت الحرب (33) يوماً وإذا ما قورنت مع الحرب السابقة فإنها تعتبر حرباً طويلة ولم يتطلب ذلك سير المعارك العسكرية، حيث كانت الوقائع على الأرض تشير بوضوح أن الجيش الإسرائيلي غير قادر على احتلال أرض والبقاء فيها، كما أنه غير قادر على توجيه ضربات تدميرية إلى منصات إطلاق الصواريخ، وهو جاهل بطرق انتقال المقاومة، كما أنه جاهل بمواقع تحصيناتها ومراكز قياداتها، ولكن الشيء الأخر هو أن السياسة كانت لها معارك المواكبة للمعارك العسكرية، وقد أبعد الاهتمام الجدي بالبحث السياسي تحت ضغط أمريكي لعل الجيش الإسرائيلي يحرز انتصارات. أما الجانب الأخر الذي ينبغي أخذه بعين الاعتبار فهو تعدد الأطراف التي رفضت التوجهات الأمريكية السياسية، ثم أن المزاج الفرنسي الأوربي اخذ يميل نحو تمايزات عن الآراء الأمريكية وأن تكن هذه التمايزات ليست جوهرية. وأن الحل الذي انتهى إليه الأمر هو التمهيد العملي العسكري لدور لاحق لحلف الأطلسي عبر قوة أوربية أساسية لتفيد قرار مجلس الأمن الدولي ذي الرقم(1701).
لقد كانت الحرب السياسية العنصر الأهم في تحديد مدة الحرب ناهيك عن دور العنجهية والغطرسة العسكرية الإسرائيلية التي كانت تطلب الأسبوع تلو الأسبوع كي تقدم إنجازاً عسكرياً لتحويله إلى وقائع سياسية لكنها فشلت في ذلك عسكرياً وعندما تحولت إلى ميدان السياسية مع تكتيك إبقاء التدمير العسكري، ولكن كل ذلك لم يدفع بالأمور السياسية نحو التوجيهات الإسرائيلية والأمريكية وقد تجلى ذلك في ابتعاد فرنسا عن الصيغة الأولى لقرار مجلس الأمن وأخذ بنقاط من وجهة النظر اللبنانية وخاصة النص الواضح على انسحاب قوات الاحتلال من الأراضي اللبنانية وعدم الاخذ بالصيغة الإسرائيلية الخاصة بالأسيرين الإسرائيليين.
لقد كان واضحاً أن المعترك السياسي يشير إلى أن منطقة الشرق الأوسط موضع اهتمام سائر القوى الدولية، ولم تكن روسيا خارج اللوحة الفسيفسائية للقوة التي تبدي اهتماماً في المنطقة وقد كان ذلك واضحاً في دعم ممثلي حكومة بوتين للصيغ الأكثر قبولاً من ممثلي لبنان والدول العربية. ولم يعد خافيا أن أحد التوجهات التي أصبحت هي وضع قوات دولية على الحدود السورية اللبنانية،وكان ذلك مؤشراً خطيراً على مستقبل العلاقات اللبنانية السوية وعلى تدويل القضية اللبنانية بصورة كاملة ثم جعلها محمية أطلسية، وهو ما تريده إدارة بوش، كما أنه يرضى النزعة الأوربية، لكن دورها الفعلي يدخل في نطاق الحلف الأطلسي.
وليس من المستغرب أن يزداد الصراع في منطقة الشرق الأوسط خاصة إذا أصرت إيران على برنامجها النووي وصعدت من دورها الإقليمي في مشاكل المنطقة الشائكة مثل القضية الفلسطينية والقضية العراقية وقضايا الخليج عامة.
وليس بمستغرب أن تحتدم الخلافات بين إيران والعديد من الدول العربية وأن يؤدي الأمر إلى تحالفات مستغربة في المنطقة خاصة وأن عدداً من الحكام العرب يرى أن الخطر الأكبر هو البرنامج النووي الإيراني وأن الذي يهدد الدور العربي ومستقبل العرب هو الإستراتيجية الإيرانية، وليس بمستغرب أن تؤدي الأوضاع إلى سباق تسلح نووي في المنطقة خاصة وأن بعض الدول العربية قادرة على الدخول في هذا الميدان كما أنها لا تقبل أن تكون الدول العربية بين فكي كماشة نووية هما إسرائيل من الجهة الغربية وإيران من الجهة الشرقية وكل ذك يرضي المزاج الأمريكي ويبرر خطط العدوان.
وقفة تقييميه مع الحرب العدوانية
لعل الكثير من الاختلاف في الآراء، كان أهم مبادينه تقييم تلك الحرب العدوانية، هل كان التساؤل المشروع هو من المنتصر عسكرياً ومن المنهزم؟! من الخاسر في تلك الحرب ومن الرابح؟!
إن التعقيدات التي تواجه الإجابة المعتمدة على العقلانية تتزايد كلما ذهبنا باتجاه الاستناد في التقييم إلى الحروب التي انتهت إلى نتائج حاسمة لا لبس فيها، وهو ما استندت إليه بعض الأراء حيث اعتبرت أن النصر في الحرب هو هزيمة أحد اللدين عسكرياً وسياسياً، هكذا كان شأن الموقف من الحروب. فهل الأمر في هذه الحرب على ذلك النحو.
يقيناً أن اعتماد تلك القاعدة في مثل هذه الحرب لن يؤدي إلى جدية في البحث، كما أنه يهمل حالات الانتصار التي لا تكون حاسمة عسكرياً وسياسياً وهو يعتمد مقياس الحروب العالمية التي ما أن تبدأ حتى يصبح واضحاً أنها لن تتوقف إلا بإستسلام أحد أطراف الصراع أو تصفيته عسكرياً وسياسياً.
كما أن هذه القاعدة لم تعتمد في تقييم الحروب السابقة بين الدول العربية وإسرائيل، ومادام الأمر كذالك فإن الوقائع الملموسة ينبغي أخذها بعين الاعتبار لتقيم حقيقي للوقائع العسكرية ومجرياتها وتطوراتها وفي هذا الصدد ينبغي لفت الانتباه إلى الأمور التالية:
1. لقد عاشت إسرائيل فعليا ًظروف الحرب وعرفت بالملموس أثارها عرفوا صفارات الإنذار، وسمعوا دوي الإنفجارات وشاهدوا مئات الجرحى وسمعوا سيارات الإسعاف ورأوا الدماء النازفة من الجرحى، والأكثر من ذلك أستوعبوا فعلياً الأثار المترتبة على دفن القتلى، كما شاهدوا الأماكن المتهدمة، والأكثر فإنهم عرفوا النزوح من مكان إلى أخر وناموا في الملاجئ، وكان ذلك أكبر انتصار حتى الآن على العنجهية والغطرسة التي شملت قطاعات مدنية عديدة ولم تكن مقصورة على الجنرالات.
2. لم تستطع إسرائيل إثبات كفاءة عسكرية في هذه الحرب، بل على العكس من ذلك فإن الوقائع بددت «العبقرية» العسكرية الإسرائيلية التي نسجتها الحروب السابقة منذ عام 1948 وقد تعبت الأوساط الإسرائيلية والصهيونية في نسج الأساطير عن تلك «العبقرية» وخاصة بعد حرب حزيران عام 1967، وقد انقلبت المشكلة حيث مئات المقاومين يستطيعون مواجهة عشرات آلاف الجنود الإسرائيليين المدججين بمختلف أنواع الأسلحة.
3. كان واضحاً أن إسرائيل لا تستطيع البقاء في الأراضي اللبنانية وتجربة السنوات القريبة وخاصة سنوات العقد الأخير من القرن العشرين وضعت حداً واضحاً ويقيناً لا يرفى إليه الشك وهو استحالة استمرار الجيش الإسرائيلي في الجنوب اللبناني، وكان ذلك أحد الملامح الأساسية لتلك الحرب وميزة لها عن الحروب السابقة التي شنتها إسرائيل على البلدان العربية.
4. لم تستطع إسرائيل عن طريق هذه الحرب أن تفرض أي هدف من أهدافها التي أعلنتها ثم أعادة النظر بها،وخاصة فرض تسليم الأسيرين مباشرة واعتبار ذلك البند الأول لإيقاف أطلاق النار، وإذا أردنا مقياساً موضوعياً وعقلانياَ لتقييم هذه الحرب، فإن ذلك المقياس هو إفشال تحقيق الأهداف التي يبغيها الطرف الذي شن الحرب ويعتبر ذلك إنجازاً هاماً.
5. وإذا كانت أحد أهم مسائل التقييم هي أن هذه الحرب شكلت نوعية مختلفة عن الحروب السابقة، فإن دلالة ذلك ليس في عدد قتلى الجيش الإسرائيلي أو في عدد جرحاه وأسراه، إنما المسألة أعمق من ذلك وتتجاوز الجيش الإسرائيلي إلى المجتمع الإسرائيلي، الذي لم يعد بإمكانه، إن يعتبر مستقبله مرهون بقدرة جيشه العسكري حيث أدخلت المعارك مفهوماً جديداً وهو عدم حتمية انتصار الجيش الإسرائيلي، وقد أدى ذلك وسيؤدي إلى تداعيات متنوعة وخاصة على الصعيد المدني حيث يزداد عدد الذين يرون أن الأفق أسود لأن الحرب النفسية الإسرائيلية اعتمدت على حتمية انتصار الجيش الإسرائيلي، كما أن نظرية الحروب الوقائية بنيت تحت تأثير أفكار عديدة أهمها الترويج لفكرة أن إسرائيل لا تتحمل هزيمة حرب واحدة،ومعروف أن هذه الموضوعات كانت لتبرير أن تكون إسرائيل ترسانة للأسلحة بما فيها أسلحة الدمار الشامل وخاصة الأسلحة النووية، وقد وضعت الحرب وجود هذه الأسلحة موضع تساؤل، وقد أكدت ذلك مواقع معامل إنتاج أسلحة كيميائية واقعة في مدينة حيفا ومحيطها، وجرى ترحيل عشرات الآلاف حيث كانت تتساقط صواريخ المقاومة اللبنانية، وهكذا فإن دولة بحجم إسرائيل تنفجر من أسلحتها لأن هذه الأسلحة تتعدى طبيعة الدولة جغرافياً وبشرياً ويصبح كل ما يتعلق بهذه الدولة يسير في اتجاه يعاكس الاعتماد على ترسانة الأسلحة.
لكن مايلفت الانتباه هو أنه هزيمة ..... بالجيش الإسرائيلي لا ينبغي أن تفهم بحرفية الكلمة، سواء تعلق الأمر بالجانب العسكري أم السياسي لكن ذلك لا يمنع من وصف ما حل بالجيش الإسرائيلي بأنه هزيمة بالقيس للحروب السابقة واحباط الأهداف التي أرادها سواء على الصعيد العسكري أم على الصعيد السياسي.
وليس من قبيل الصدفة أن يقال أن الجيش الإسرائيلي وسع نطاق التدمير لتغطية تلك الحقيقة، والغريب أن بعض الأوساط رأت في اتساع الدمار وتنوعه عاملاً لإدانة حزب الله، حيث جرى الإعلان عن أن مافعلته إسرائيل لم يكن متوقفاً ولكن ذلك فتح الباب لسجل أخر وهو أن ما أعلن هو أن إسرائيل تستعد لحرب عدوانية وأن أسر الجنديين ذريعة.
وقبل كل شيء فإنه لا يجوز وطنياً وقومياً تحويل الدمار واتساعه من عامل إدانة لإسرائيل إلى عامل إدانة لحزب الله، ناهيك عن أنه بات واضحاً أن اتساع الدمار كان مقصوراً لأهداف عديدة منها أحداث انشقاق في المجتمع اللبناني إضعاف التأييد للمقاومة ودفع الأمور بالاتجاه المؤدي إلى نزع سلاح المقاومة. لقد كان حجم الدمار أكبر دليل على طبيعة تلك الحرب الهمجية وإذا ما قورن عدد الضحايا مع حجم الدمار لكان كل منهم عامل معاكس للأخر، فعدد الضحايا بالنسبة لحجم الدمار يظل رقماً قليلاً وقد أضاف ذلك إدانة أخرى إلى إسرائيل حيث أن الدمار أصاب بصورة أساسية بيوتاً غادرها أهلها أو بيوت ظل فيها شيوخ وأطفال وهو ما جعل عدد الضحايا منهم بصورة أساسية.
وطبيعي فإنه من الضروري التنويه إلى عدم الذهاب بعيداً مع كل ما يصدر من المسؤولين الإسرائيليين سواء أكانوا من الوسط العسكري أو كانوا من الوسط المدني، وكثير ما أرادوا من تلك الدعوات أو الإعلانات عن تشكيل لجان كثيراً ما كان الهدف هو أن قدرات الجيش الإسرائيلي أعظم بكثير مما ظهر في الحرب على لبنان، ناهيك عن أنهم يقصدون إقناع الرأي العام الإسرائيلي أن الأخفاق هو نتيجة فردية وليس دليلاً على حقيقة وضع الجيش الإسرائيلي، كما أنه ليس دليلاً على قدرة المقاومة اللبنانية وتطورها وصلابتها في القتال وعمق وعيها لقضايا التكتيك القتالي وحسن استخدامها لعمليات عسكرية تجمع بين خصائص الجيوش النظامية التي تعتمد على نقاط الاستناد في مواجهة القوى المعادية. يقيناً أن التقييمات المتسرعة التي طالت حزب الله كانت تعبيراً عن توجهات سياسية محددة مستندة على المواقف من قوى المنطقة أكثر منها تقييم حقيقي لمجريات الحرب الإسرائيلية العدوانية على لبنان. أنضيف إلى ذلك قصر نظر القائلين أنها متسرعة فالمسألة تتعدى ذلك إن تلك المواقف تعبير راهن عن أفق تحالفات مستقبلية ومحاور يجري بناؤها وسيطال ذلك العديد من الدول العربية، وإذا أردنا ترجمة واضحة وشفافه للعديد من التصريحات فإنه ما هو قادم هو أن عدداً من الحكام العرب يرى في الإستراتيجية الإيرانية بما فيها جانبها النووي خطراً كبيراً، بل هو الخطر الحقيقي الأول على الدول العربية من وجهة نظرهم. وإذا أمعنا النظر في الأمور فإنه من غير الجائر أطلاق صفة المغامرة على العملية التي قام بها حزب الله، وإذا استثنينا التدمير الذي قام به طيران العدو الإسرائيلي فإن المعارك البرية أعطت مؤشرات العجز العسكري الذي برز بوصفه سمة للجيش الإسرائيلي،خاصة وقد أعلن قادته أنهم لم يستطيعوا أن ينفذوا خطتهم على الأرض كما أبرزت المعارك القدرة الكبيرة للمقاومة على تدمير سلاح الدبابات الإسرائيلية . إن خصوصية هذه الحرب هو أنها دفعت أزمة إسرائيل نحو تعمقها واتساع نطاقها، وهي أزمة تتفاعل في المجتمع الإسرائيلي والدوائر الصهيونية، وأحد أوجه هذه الأزمة فشل العقيدة العسكرية الإسرائيلية وعجزها وعدم قدرتها على مواجهة الظروف الراهنة. وطبيعي القول أن مجرد أن تنتهي الحرب بوصفها أداة للتوسع حيث سدّ المنافذ أمام هذه الإستراتيجية، فإن أزمة إسرائيل تأخذ اتجاهاً أخر مترابط مع ذلك الاتجاه وهو أن الحرب على لبنان ونتائجها وضعت في حكم المستحيل القبول بحل سياسي لا يعتمد أولاً على الانسحاب من كافة الأراضي العربية التي احتلت عام 1967، وبالتالي فإن على إسرائيل إزالة الجدار العنصري وترحيل كافة المستوطنين من الضفة الغربية والجولان السوري . وواضح أن مخاوف الصهيونية لا تتوقف عن ذلك، حجر الزاوية في قيام الدولة العبرية يهتز بقوة، ومن يدري فإن تأثير مجريات الحرب على لبنان قد يذهب بعيداً وما تجدر الإشارة له هو شيء أخر وهو عقم إنفاق الأموال على الجيوش النظامية وتحولها إلى قوى تدمير دونما نتائج سياسية حقيقية. إن نتائج الحرب على لبنان تدعو إلى أنها تتحول إلى عامل كابح لاستراتيجيات العدوان، فالدول التي تفكر في ضخامة تراسنتها العسكرية أصبحت أمام وقائع راسخة وهو أن الأسلحة وتطورها لن يحول دول إيجاد سبل لإلحاق الهزيمة بالجيوش المعتدية، كما أنه لم يعد يشكل أساساً لاستمرار أية دولة تكونت على غرار دولة إسرائيل. إن الحرب العدوانية على لبنان انتهت إلى مؤشرات خطيرة على الصهيونية العالمية،فقد كشفت تلك الحرب ميل العسكرية الإسرائيلية نحو ارتكاب وتنظيم المجازر، كما فتحت عيون الكثير من المنظمات الدولية على مدى استهتار العسكريين الإسرائيليين بحقوق المدنيين اللبنانية، كما أن اعتماد تهجير المدنيين وجعله هدفاً بحد ذاته أضاف معطيات أداته لإسرائيل ولتعاطيها الواضح في خرق القوانين الدولية والاتفاقات والمعاهدات المصاغة لحماية المدنيين خلال الحرب. إن أحد الأمور التي تخشاها إسرائيل هو تأثير الحرب على مزاج السياسي الأوربي، وقد بات واضحاً أنه لم تعد إسرائيل قادرة على فرض وجهات نظرها على معظم الأوربيين كما كان الأمر في السابق أو بعبارة أخرى أن مكانة إسرائيل من حيث هي دولة أخذت تتراجع، ولم يعد بالامكان النظر أو التعاطي مع قضايا المنطقة على أساس التعاطي الوحيد الجانب حيث الأخذ بوجهة نظر الإسرائيلية. ويمكن القول أن الرأي العام العالمي أصبح لديه عناصر مناعية ضد الدعاية الصهيونية وأخذ الوعي يتعمق في أن إسرائيل دولة عدوانية وترتبط بالاستراتيجية الأمريكية الصهيونية وتغيير أحد أدواتها وإذا كان لابد من تنويه أخير فإننا لابد أن نتتبع تأثير تلك الحرب على البنية البشرية للجيش الإسرائيلي. وقد يكون جديد ذلك هو ان يصبح جيشاً خليطاً ويعتد على المرتزقة من العالم وذلك نتيجة آثار العوامل الديمغرافية على المجتمع الإسرائيلي.

نايس ميمو ينقل للقسم المناسب

يسلمواااااا

يسلمواااا

يسلمووووووووووو

حرب عدوانية من طراز آخر Qataryat.net-f18bb15b59