ثانيا": الشعر الشعبي الفلسطيني :
إن تراث الشعب الفلسطيني غني جدا" بالشعر الشعبي والأهازيج والحكايات والقصص
والروايات . وخصوصا" الملاحم التي تحكي كفاح هذا الشعب ضد محتليه على مر العصور
والاهتمام بهذا التراث ونشره مهمة قومية حالية ، وشكل من أشكال النضال ضد عدو يهدف إلى
إفناء هذا الشعب والقضاء على جذوره في أرضه ووطنه . لذلك فالشعر الشعبي وما يحمل من
مضامين نضالية يعد سلاحا" في معركة التحرير ، وتشكل الأغاني الشعبية والأهازيج جزءا"
مهما" من التراث الفلسطيني .
والشعر الشعبي هو ما فاض عن الوجدان الشعبي الفلسطيني من أغان وأهازيج وهتافات في
المظاهرات ، وقصائد غنائية ثورية ، عبّر فيها عن تمسكه بحقه في أرضه ووطنه .. وإصراره
على النضال من أجل تحرير وطنه ، وإقامة دولته المستقلة على أرضه المحررة وعاصمتها
القدس الشريف .
لقد تميزت الثقافة الفلسطينية بتفعيل الكلمة وتنويعها حسب المواقف ، الأمر الذي زاد من تلاحم
الجماهير ، وساعدت القصائد الشعبية في التصدي اليومي للإحتلال ، فكم من مرة تحولت
الأعراس في الجليل وغيرها إلى مظاهرات عنف تندفع بتأثير القوالين والشعراء الشعبيين ، مما
دفع الإحتلال الصهيوني لتقديم عدد كبير من الزجالين إلى الحاكم العسكري ، ووضع رقابة
شديدة على تحركاتهم .. والشعر بنوعيه الشعبي والفصيح يلهب المشاعر الوطنية والقومية
ويعبئ النفوس ، والكلمة هي أقوى من المدفع وأحد من السيف ، وتفعل أكثر من النار أحيانا" .
إن دراسة التراث الشعبي خير دليل لمعرفة تاريخ شعب من الشعوب ، وأصدق مصدر لمعرفة
نضالاته ومواقفه إزاء الأحداث . وتعد كشفا" صادقا" عن أصالة هذا الشعب وما يصدر عنه من
آمال وتطلعات ما رافق مسيرته من ظلم وقهر وآلام ...
وبالنسبة للشعب الفلسطيني فإن الإطلاع على تراثه الشعبي من أغان وأهازيج وشعر ملحمي
بطولي وأناشيد ثورية حماسية يشكل مادة غنية ومهمة في هذا الوقت . حيث تتكالب عليه قوى
الشر والعدوان وتزداد المؤامرات الدولية عليه لسلخه عن ماضيه واجتثاثه من جذوره وتراثه ،
وطمس هويته الوطنية و القومية ، وتصويره لدى الراي العام كمجموعات من ( الإرهابيين أو
المخربين ) ... فمن هنا تبرز أهمية الحفاظ على التراث الفلسطيني . وخاصة الشعر الشعبي فمنه
نأخذ إثباتا" لشخصية فلسطين العربية أمام محاولات التذويب الاستعماري ، ولتعويد الأجيال
الناشئة والشباب على الالتصاق بأرضهم والتمسك بحقوقهم ، ولتربيتهم على تقاليد وطنية
وإنسانية .
من ستين سنة واحنا عم نكتب بدنا عودتنا ، وما عدنا نكذب
ما بدنا نوكل ، ولا بدنا نشرب يالله عالحرب هي الرعبونا
ومن الأهازيج الشعبية الفلسطينية :
لارفع نشيدي وغني غناني فلسطين الوطن حبي وإيماني
والله لاحارب أنا وإخواتي ع الثورة يالله ما بدها هدونا
وتكمن قيمة الشعر الشعبي في استمراريته وانتشاره .فهو قادر على البقاء مشعّا" ومتوهجا" حتى
بعد انقضاء الحدث أو الظرف المحيط به ، لأنه يربط ثورته بثورة الإنسان حيثما كان ،
ويتفاعل معه في الحزن والفرح ، وفي الشقاء والنضال والانتصار لذلك يقبل الشعب على حفظ
هذا النوع من الشعر وترديده ....
لقد لعبت الأغاني الشعبية دورا" مميزا" في إذكاء روح النضال ، ونشر القيم الثورية في مختلف
الأرجاء فهي تحكي معارك الثوار والبطولات الفردية والشعبية في أسحار الليالي في الدواوين
والمضافات ....
وهذا بيت الدلعونا يمجد ذلك ، قيل بعد 19 حزيران 1930 م يوم تنفيذ حكم الإعدام بأبطال
الإنتفاضة الفلسطينية عام 1929م . وهم الشهيد البطل عطا الزير ، الشهيد البطل محمد جمجو
و الشهيد البطل فؤاد حجازي :
من سجن عكا طلعت جنازة محمد جمجوم و فؤاد حجازي
جازي عليهم يا ربي جازي المندوب السامي وربعه وعموما
وبعد النكبة ، وطرد الفلسطينين من ديارهم بدل تحرير الأرض من قبل الجيوش العربية ، ذهل
الإنسان الفلسطيني بتوقيع الهدنة بعد قرار التقسيم في عام 1947م فوجد نفسه لاجئا" مشردا"
يصطف بالطوابير ليتلقى المعونة من الأمم المتحدة التي كانت سببا" في تشريده ، أخذ يندب
حظه في المخيمات في أرض الشتات ، ويتفجع على وطنه ، فكان هذا المطلع من قصيدة للشاعر
الشعبي عبد العزيز كتكت :
شربنا علقم ما بنذاق في الخان بنشحد طحين
و صرنا نبشر بعضنا تا جانا السمن و السردين
و ضيعنا الإسم العتيق و صار إســــمنا لاجئـيــن
وهناك قول أخر :
لأجل الثوار لأحمل بيدي رشاشي لأهجم ع النار ما بستنى معاشي
جوات الدار لاجعل فراشي ألغامي واقرا يا دار رجعولـكــــ الـــــرجال
وعاش شعبنا الفلسطيني على الذكريات والأمل وحزن وبكى وتغرب وضاع ولكنه لم يستسلم
فقد ثار وغضب وخاض الانتفاضة بعد الأخرى مؤمنا" بهذا القول للشاعر راشد حسين :
سنُفهِم الصخرَ إن لم يفهم البشر أن الشعوب إذا هبت ستنتصر
وللأغنية الشعبية الفلسطينية عدة أنواع منها : الدلعونا ، العتابا ، الجفرا ، الموال ، ظريف
الطول ، المطلوع ، الزجل ، الأهازيج ، الميجانا ، ................................. وغيرها وكلها
تغني من أجل الوطن والعودة إلى الأرض وتعبر عن هموم الناس ومطالب المواطنين وللأغنية
الشعبية مضمون قومي تحكي باسم العرب ، ومضمون إجتماعي تؤكد على طيب العلاقة بين
الحبايب وبين كل الناس .... وبيت العتابا هذا يتحدث عن وقوع الصخرة المشرفة تحت الإحتلال
في عدوان 1967م :
يا صخرة ع العرب بالصوت نادي اليهود استعملوك شبه نادي
بعد ما كان عود الـــــــند نادي فـتـل دولابها و النجم غاب
ومن عمالقة الشعراء الفلسطينيين في الداخل والخارج ، وفي القديم والحديث أمثال : إبراهيم
طوقان ، فدوى طوقان ، عبد الرحيم محمود ، محمود درويش ، سميح القاسم ، أحمد دحبور ،
هارون هاشم رشيد ، تميم البرغوتي ، .......... وغيرهم الكثيرون .
أما الأغنية الدينية فهي تكثر في المناسبات الدينية ، في المولد النبوي وموسم الحج وزيارة
الأولياء والصالحين ، وتتخذ أشكالا" متنوعة ومواضع متعددة وكلها تتعلق بمواضيع دينية
صرفة وهذا مقطع في مدح النبي عليه الصلاة والسلام :
يا زايرين النبي ويش وصفة حجاره؟
سعيد من راح لحرم النبي و زاره
يا زايرين النبي ويش وصفه المفتاح؟
سعيد من راح لقبر النبي سواح
وكان الناس في فلسطين يحتفلون بهذه المناسبات الدينية احتفالات كبيرة ، فتنصب الزينات
والأعلام وتقام الحفلات ويجتمعون لسماع الموشحات الدينية في المساجد وخاصة في عكا
وجوارها . ويؤدي هذه الأغاني فرق مختصة مثل فرقة الرفاعية و فرقة الشاذلية وتنشد هذه
المدائح في كثير من المناسبات غير الدينية عند الطهور ( الختان ) وشفاء مريض وفي الأعراس
أحيانا" .
وهناك أنواع من الأغاني لا تغنى إلا في أوقات محددة كوقت الزراعة والحصاد و الصيد وهناك
أغاني خاصة بالبنائين والحرفيين والبائعين المتجولين ، والكل يغني على بضاعته للترويج
والتصريف ، وأغاني تخص المناسبات مثل : زفة العريس ، حمامه ، حلاقته ، وأغاني الدبكة
وأخرى للرقص الشعبي ، ولكل مناسبة أغنية سأضيفها لاحقا" إنشاء الله .
ولا ننسى أن للأغنية الفلسطينية مضمونا" قوميا" ، نلاحظ من خلاله بروز التفاؤل وسيطرة جو
الصمود ، والفرحة الكبيرة بتحول الشعب الفلسطيني من مجرد لاجئين مشردين إلى مناضلين
ومقاتلين من أجل الحرية واإستقلال وبذلك استعاد هويته التي نزعها منه العالم الظالم بإقامة
السلطة الوطنية على أرضه الفلسطينية تمهيدا" لإعلان الدولة الفلسطينية المستقلة . ولا يخلو
الشعر الفلسطيني من الغزل والمرأة .
إننا نلاحظ أن الشعب الفلسطيني يمتلك تراثا" غنيا" من الأغاني والأهازيج الشعبية ، فقد أنتج
تراب الأرض الفلسطينية ثروة ضخمة من الأغاني والقصائد الشعبية ، منوعة المضامين مختلفة
الأشكال . فلا نجد مناسبة تخلو من الألم والبعد والغربة والفرح ، ففي الأعراس كما في تشييع
مواكب الشهداء يسيطر الحنين إلى الوطن على مجمل الأغاني . وتلفها الأحزان ، والتصميم على
التوجه نحو الأرض للعودة إليها والإقامة عليها . ويعتزون بهذا الإنتماء كما في الأبيات :
عالرباعية عالرباعية رافعين الراس فلسطينية
نادي يا منادي يوم ...... اســـتشــهادي
على أرض بلادي تحلى ............... المنية
ثالثا" : الحكاية الموروث الشعبي : ( يتبع